فصل: قال البيضاوي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



قال المفسرون: إِذا طلعتْ الشمس وأنت متوجه إِلى القبلة، كان الظل قُدَّامك، فإذا ارتفعتْ كان عن يمينك، فإذا كان بعد ذلك كان خلفك، وإِذا دنتْ للغروب كان على يسارك، وإِنما وحّد اليمين، والمراد به: الجمع، إيجازًا في اللفظ، كقوله تعالى: {ويولُّون الدُّبُر} [القمر: 45]، ودلّت {الشمائل} على أن المراد به الجميع، وقال الفراء: إِنما وحد اليمين، وجمع الشمائل، ولم يقل: الشمال، لأن كل ذلك جائز في اللغة، وأنشد:
الوَارِدُوْنَ وَتَيْم في ذَرَىَ سَبَأٍ ** قد عضّ أعناقَهُم جِلْدُ الجوامِيْسِ

ولم يقل: جلود، ومثله:
كُلُوا في نِصْفِ بَطْنِكُم تَعِيْشُوا ** فإنَّ زَمَانَكُم زَمَنٌ خَمِيْصُ

وإِنما جاز التوحيد، لأن أكثر الكلام يواجَه به الواحد.
وقال غيره: اليمين راجعة إِلى لفظٍ ما، وهو واحد، والشمائل راجعة إِلى المعنى.
قوله تعالى: {سُجَّدًا لله} قال ابن قتيبة: مستسلمة، منقادة، وقد شرحنا هذا المعنى عند قوله تعالى: {وظلالهم بالغدو والآصال} [الرعد: 15].
وفي قوله تعالى: {وهم داخرون} قولان:
أحدهما: والكفار صاغرون.
والثاني: وهذه الأشياء داخرة مجبولة على الطاعة.
قال الأخفش: إِنما ذكر مَن ليس من الإِنس، لأنه لما وصفهم بالطاعة أشبهوا الإِنس في الفعل.
قوله تعالى: {ولله يسجد مافي السموات} الآية.
الساجدون على ضربين:
أحدهما: مَن يعقل، فسجوده عبادة.
والثاني: مَن لا يعقل، فسجوده بيان أثر الصَّنعة فيه، والخضوع الذي يدل على أنه مخلوق، هذا قول جماعة من العلماء، واحتجوا في ذلك بقول الشاعر:
بِجَيْشٍ تضِلُّ البُلْق في حَجَراتِهِ ** تَرىَ الأُكْمَ فيه سُجَّدًا لِلْحَوافِرِ

قال ابن قتيبة: حَجَرَاتُهُ، أي: جوانبه، يريد أن حوافر الخيل قد قلعت الأُكم ووطئتها حتى خشعت وانخفضت.
فأما الشمس والقمر والنجوم، فألحقها جماعة بمن يعقل، فقال أبو العالية: سجودها حقيقة، ما منها غارب إِلاَّ خَرَّ ساجدًا بين يدي الله عز وجل، ثم لا ينصرف حتى يُؤذَن له، ويشهد لقول أبي العالية، حديث أبي ذر قال: كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد حين وجبت الشمس، فقال: «يا أبا ذر! تدري أين ذهبت الشمس» قلت الله ورسوله أعلم، قال: «فإنها تذهب حتى تسجد بين يدي ربّها عز وجل، فتستأذن في الرجوع، فيؤذَن لها فكأنها قد قيل لها: ارجعي من حيث جِئتِ، فترجع إِلى مطلعها فذلك مستقرها». ثم قرأ: {والشَّمْسُ تَجْري لِمُسْتَقَرٍّ لها} [يس: 38]. أخرجه البخاري ومسلم.
وأمّا النبات والشجر، فلا يخلو سجوده من أربعة أشياء.
أحدها: أن يكون سجودًا لا نعلمه، وهذا إِذا قلنا: إِن الله يُودِعه فهمًا.
والثاني: أنه تفيُّؤ ظلاله.
والثالث: بيان الصنعة فيه.
والرابع: الانقياد لما سُخِّر له.
قوله تعالى: {والملائكة} إِنما أخرج الملائكة من الدوابّ، لخروجهم بالأجنحة عن صفة الدبيب.
وفي قوله: {وهم لا يستكبرون يخافون ربهم من فوقهم ويفعلون ما يؤمرون} قولان:
أحدهما: أنه من صفة الملائكة خاصة، قاله ابن السائب، ومقاتل.
والثاني: أنه عامّ في جميع المذكورات، قاله أبو سليمان الدمشقي.
وفي قوله: {من فوقهم} قولان ذكرهما ابن الأنباري.
أحدهما: أنه ثناء على الله تعالى، وتعظيم لشأنه، وتلخيصه: يخافون ربهم عاليًا رفيعًا عظيمًا.
والثاني: أنه حال، وتلخيصه: يخافون ربهم معظِّمين له عالِمين بعظيم سلطانه. اهـ.

.قال النسفي:

{وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتقوا}.
الشرك {مَاذَا أَنزَلَ رَبُّكُمْ قَالُواْ خَيْرًا} وإنما نصب هذا ورفع {أساطير} لأن التقدير هنا أنزل خيرًا فأطبقوا الجواب على السؤال وثمة التقدير هو أساطير الأولين فعدلوا بالجواب عن السؤال {لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ في هذه الدنيا} أي آمنوا وعملوا الصالحات أو قالوا: لا إله إلا الله {حَسَنَةٌ} بالرفع أي ثواب وأمن وغنيمة وهو بدل من {خيرًا} حكاية لقول {الذين اتقوا} أي قالوا هذا القول فقدم عليه تسميته خيرًا.
ثم حكاه، أو هو كلام مستأنف عدة للقائلين وجعل قولهم من جملة إحسانهم {وَلَدَارُ الاخرة خَيْرٌ} أي لهم في الآخرة ما هو خير منها كقوله: {فآتاهم الله ثَوَابَ الدنيا وَحُسْنَ ثَوَابِ الآخرة} [آل عمران: 148]. {وَلَنِعْمَ دَارُ المتقين} دار الآخرة فحذف المخصوص بالمدح لتقدم ذكره {جنات عَدْنٍ} خبر لمبتدأ محذوف أو هي المخصوص بالمدح {يَدْخُلُونَهَا} حال {تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الأنهار لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَاءونَ كَذَلِكَ يَجْزِي اللهُ المتقين الذين تتوفاهم الملائكة طَيِّبِينَ} طاهرين من ظلم أنفسهم بالكفر لأنه في مقابلة ظالمي أنفسهم {يَقُولُونَ سلام عَلَيْكُمُ} قيل: إذا أشرف العبد المؤمن على الموت جاءه ملك، فقال: السلام عليك يا ولي الله، الله يقرأ عليك السلام، ويبشره بالجنة ويقال لهم في الآخرة {ادخلوا الجنة بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} بعملكم {هَلْ يَنظُرُونَ} ما ينتظر هؤلاء الكفار {إِلا أَن تَأْتِيهُمُ الملائكة} لقبض أرواحهم.
وبالياء: علي وحمزة: {أَوْ يَأْتِىَ أَمْرُ رَبِّكَ} أي العذاب المستأصل أو القيامة {كذلك} مثل ذلك الفعل من الشرك والتكذيب {فَعَلَ الذين مِن قَبْلِهِمْ وَمَا ظَلَمَهُمُ الله} بتدميرهم {ولكن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} حيث فعلوا ما استحقوا به التدمير.
{فَأَصَابَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا عَمِلُواْ} جزاء سيئات أعمالهم {وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِءونَ} وأحاط بهم جزاء استهزائهم: {وَقَالَ الذين أَشْرَكُواْ لَوْ شَاء الله مَا عَبَدْنَا مِن دُونِهِ مِن شيء نَّحْنُ وَلا ءابَاؤنَا} هذا كلام صدر منهم استهزاء ولو قالوه اعتقادًا لكان صوابًا {وَلاَ حَرَّمْنَا مِن دُونِهِ مِن شَىْءٍ} يعني البحيرة والسائبة ونحوهما {كَذَلِكَ فَعَلَ الذين مِن قَبْلِهِمْ} أي كذبوا الرسل وحرموا الحلال وقالوا مثل قولهم استهزاء {فَهَلْ عَلَى الرسل إِلاَّ البلاغ المبين} إلا أن يبلغوا الحق ويطّلعوا على بطلان الشرك وقبحه {وَلَقَدْ بَعَثْنَا في كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولًا أَنِ اعبدوا الله} بأن وحدوه {واجتنبوا الطاغوت} الشيطان يعني طاعته {فَمِنْهُم مَّنْ هَدَى الله} لاختيارهم الهدى {وَمِنْهُمْ مَّنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضلالة} أي لزمته لاختياره إياها {فَسِيرُواْ في الأرض فانظروا كَيْفَ كَانَ عاقبة المكذبين} حيث أهلكهم الله وأخلى ديارهم عنهم.
ثم ذكر عناد قريش وحرص رسول الله صلى الله عليه وسلم على إيمانهم وأعلمه أنهم من قسم من حقت عليه الضلالة فقال: {إِن تَحْرِصْ على هُدَاهُمْ فَإِنَّ الله لاَ يَهْدِى مَن يُضِلُّ} بفتح الياء وكسر الدال: كوفي.
الباقون: بضم الياء وفتح الدال، والوجه فيه أن {من يضل} مبتدأ و{لا يهدي} خبره {وَمَا لَهُم مِّن ناصرين} يمنعونهم من جريان حكم الله عليهم ويدفعون عنهم عذابه الذي أعد لهم.
{وَأَقْسَمُواْ بالله جَهْدَ أيمانهم} معطوف على {وقال الذي أشركوا} {لاَ يَبْعَثُ الله مَن يَمُوتُ بلى} هو إثبات لما بعد النفي أي بلى يبعثهم {وَعْدًا عَلَيْهِ حَقّا} وهو مصدر مؤكد لما دل عليه {بلى} لأن {يبعث} موعد من الله وبين أن الوفاء بهذا الوعد حق {ولكن أَكْثَرَ الناس لاَ يَعْلَمُونَ} أن وعده حق أو أنهم يبعثون.
{لِيُبَيِّنَ لَهُمُ} متعلق بما دل عليه {بلى} أي يبعثهم ليبين لهم، والضمير ل {من يموت} وهو يشمل المؤمنين والكافرين {الذى يَخْتَلِفُونَ فِيهِ} هو الحق {وَلِيَعْلَمَ الذين كَفَرُواْ أَنَّهُمْ كَانُواْ كاذبين} في قولهم {لا يبعث الله من يموت} {إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَىْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَن نَّقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} أي فهو يكون، وبالنصب: شامي وعلي، على جواب.
كن {قولنا} مبتدأ و{أن نقول} خبره و{كن فيكون} من {كان} التامة التي بمعنى الحدوث والوجود أي إذا أردنا وجود شيء فليس إلا أن نقول له أحدث فهو يحدث بلا توقف، وهذه عبارة عن سرعة الإيجاد تبين أن مرادًا لا يمتنع عليه، وأن وجوده عند إرادته غير متوقف كوجود المأمور به عند أمر الآمر المطاع إذا ورد على المأمور المطيع المتمثل ولا قول ثَم.
والمعنى أن إيجاد كل مقدور على الله بهذه السهولة فكيف يمتنع عليه البعث الذي هو من بعض المقدورات؟ {والذين هاجروا في الله} في حقه ولوجهة {مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُواْ} هم رسول الله وأصحابه ظلمهم أهل مكة ففروا بدينهم إلى الله، منهم من هاجر إلى الحبشة ثم إلى المدينة فجمع بين الهجرتين، ومنهم من هاجر إلى المدينة {لَنُبَوِّئَنَّهُمْ في الدنيا حَسَنَة} صفة للمصدر أي تبوئة حسنة أو لنبوئنهم مباءة حسنة وهي المدينة حيث آواهم أهلها ونصروهم {وَلأَجْرُ الآخرة أَكْبَرُ} الوقف لازم عليه لأن جواب {لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ} محذوف والضمير للكفار أي لو علموا ذلك لرغبوا في الدين أو للمهاجرين أي لو كانوا يعلمون لزادوا في اجتهادهم وصبرهم {الذين صَبَرُواْ} أي هم الذين صبروا أو أعني الذين صبروا، وكلاهما مدح أي صبروا على مفارقة الوطن الذي هو حرم الله المحبوب في كل قلب فكيف بقلوب قوم هو مسقط رؤوسهم، وعلى المجاهدة وبذل الأرواح في سبيل الله {وعلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} أي يفوضون الأمر إلى ربهم ويرضون بما أصابهم في دين الله.
ولما قالت قريش: الله أعظم من أن يكون رسوله بشرًا نزل {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالًا نُّوحِى إِلَيْهِمْ} يوحى اليهم على ألسنة الملائكة.
{نوحي} حفص: {فاسألوا أَهْلَ الذكر} أهل الكتاب ليعلموكم أن الله لم يبعث إلى الأمم السالفة إلا بشرًا.
وقيل للكتاب الذكر لأنه موعظة وتنبيه للغافلين {إِن كُنْتُم لاَ تَعْلَمُونَ بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ} أي بالمعجزات والكتب والباء يتعلق ب {رجالًا} صفة له أي رجالًا ملتبسين بالبينات، أو بأرسلنا مضمرًا كأنه قيل: بم أرسل الرسل؟ فقيل: بالبينات، أو ب {يوحي} أي يوحي إليهم بالبينات أو ب {لا تعلمون}، وقوله: {فاسألوا أهل الذكر} اعتراض على الوجوه المتقدمة وقوله: {وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذكر} القرآن {لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} في الذكر مما أمروا به ونهوا عنه ووعدوا به وأوعدوا {وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} في تنبيهاته فينتبهوا {أَفَأَمِنَ الذين مَكَرُواْ السيئات} أي المكرات السيئات، وهم أهل مكة وما مكروا به رسول الله عليه السلام {أَن يَخْسِفَ الله بِهِمُ الأرض} كما فعل بمن تقدمهم {أَوْ يَأْتِيَهُمُ العذاب مِنْ حَيْثُ لاَ يَشْعُرُونَ} أي بغتة {أَوْ يَأْخُذَهُمْ في تَقَلُّبِهِمْ} متقلبين في مسايرهم ومتاجرهم {فَمَا هُم بِمُعْجِزِينَ أَوْ يَأْخُذَهُمْ على تَخَوُّفٍ} متخوفين وهو أن يهلك قومًا قبلهم فيتخوفوا فيأخذهم العذاب وهم متخوفون متوقعون وهو خلاف قوله: {من حيث لا يشعرون} [الزمر: 25]. {فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ} حيث يحلم عنكم ولا يعاجلكم مع استحقاقكم، والمعنى أنه إذا لم يأخذكم مع ما فيكم فإنما رأفته تقيكم ورحمته تحميكم.
{أَوَلَمْ يَرَوْاْ} وبالتاء: حمزة وعلي وأبو بكر: {إلى مَا خَلَقَ الله} {ما} موصولة ب {خلق الله} وهو مبهم بيانه {مِن شيء يَتَفَيَّؤُا ظلاله} أي يرجع من موضع إلى موضع.
وبالتاء: بصري {عَنِ اليمين} أي الأيمان {والشمآئل} جمع شمال {سُجَّدًا لِلَّهِ} حال من الظلال.
عن مجاهد: إذا زالت الشمس سجد كل شيء {وَهُمْ داخرون} صاغرون وهو حال من الضمير في {ظلاله} لأنه في معنى الجمع وهو ما خلق الله من كل شيء له ظل.
وجمع بالواو والنون لأن الدخور من أوصاف العقلاء، أو لأن في جملة ذلك من يعقل فغلب.
والمعنى أو لم يروا إلى ما خلق الله من الأجرام التي لها ظلال متفيئة عن أيمانها وشمائلها أي ترجع الظلال من جانب إلى جانب، منقادة لله تعالى غير ممتنعة عليه فيما سخرها له من التفيؤ والأجرام في أنفسها، داخرة أيضًا صاغرة منقادة لأفعال الله فيها غير ممتنعة {وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا في السماوات وَمَا في الأرض مِن دَآبَّةٍ} {من} بيان لما في السماوات وما في الأرض جميعًا على أن في السماوات خلقًا يدبون فيها كما تدب الأناسي في الأرض، أو بيان لما في الأرض وحده والمراد بما في السماوات ملائكتهن، وبقوله: {والملئكة} ملائكة الأرض من الحفظة وغيرهم.
قيل: المراد بسجود المكلفين طاعتهم وعبادتهم، وبسجود غيرهم انقيادهم لإرادة الله.
ومعنى الانقياد يجمعهما فلم يختلفا فلذا جاز أن يعبر عنهما بلفظ واحد.
وجيء ب {ما} إذ هو صالح للعقلاء وغيرهم ولو جيء ب {من} لتناول العقلاء خاصة {وَهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ يخافون رَبَّهُمْ} هو حال من الضمير في {لا يستكبرون} أي لا يستكبرون خائفين {مِّن فَوْقِهِمْ} إن علقته ب {يخافون} فمعناه يخافونه أن يرسل عليهم عذابًا من فوقهم، وإن علقته ب {ربهم} حالًا منه فمعناه يخافون ربهم غالبًا لهم قاهرًا كقوله: {وَهُوَ القاهر فَوْقَ عِبَادِهِ} [الانعام: 61، 18] {ويَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} وفيه دليل على أن الملائكة مكلفون مدارون على الأمر والنهي وأنهم بين الخوف والرجاء. اهـ.

.قال البيضاوي:

{وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتقوا} يعني المؤمنين. {مَاذَا أَنزَلَ رَبُّكُمْ قَالُواْ خَيْرًا} أي أنزل خيرًا، وفي نصبه دليل على أنهم لم يتلعثموا في الجواب، وأطبقوه على السؤال معترفين بالإِنزال على خلاف الكفرة. روي أن أحياء العرب كانوا يبعثون أيام الموسم من يأتيهم بخبر النبي صلى الله عليه وسلم، فإذا جاء الوافد المقتسمين قالوا له ما قالوا وإذا جاء المؤمنين قالوا لهم ذلك. {لّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ فِي هذه الدنيا حَسَنَةٌ} مكافأة في الدنيا. {وَلَدَارُ الآخرة خَيْرٌ} أي ولثوابهم في الآخرة خير منها، وهو عدة للذين اتقوا على قولهم، ويجوز أن يكون بما بعده حكاية لقولهم بدلًا وتفسيرًا ل {خَيْرًا} على أنه منتصب ب {قَالُواْ}. {وَلَنِعْمَ دَارُ المتقين} دار الآخرة فحذفت لتقدم ذكرها وقولِه: {جنات عَدْنٍ} خبر مبتدأ محذوف ويجوز أن يكون المخصوص بالمدح. {يَدْخُلُونَهَا تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الأنهار لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَاءونَ} من أنواع المشتهيات، وفي تقديم الظرف تنبيه على أن الإِنسان لا يجد جميع ما يريده إلا في الجنة. {كَذَلِكَ يَجْزِي الله المتقين} مثل هذا الجزاء يجزيهم وهو يؤيد الوجه الأول.
{الذين تتوفاهم الملائكة طَيّبِينَ} طاهرين من ظلم أنفسهم بالكفر والمعاصي لأنه في مقابلة {ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ}، وقيل فرحين ببشارة الملائكة إياهم بالجنة، أو طيبين بقبض أرواحهم لتوجه نفوسهم بالكلية إلى حضرة القدس. {يَقُولُونَ سلام عَلَيْكُمُ} لا يحيقكم بعد مكروه. {ادخلوا الجنة بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} حين تبعثون فإنها معدة لكم على أعمالكم، وقيل هذا التوفي وفاة الحشر لأن الأمر بالدخول حينئذ.
{هَلْ يَنظُرُونَ} ما ينتظر الكفار المار ذكرهم. {إِلا أَن تَأْتِيهُمُ الملائكة} لقبض أرواحهم، وقرأ حمزة والكسائي بالياء. {أَوْ يَأْتِيَ أَمْرُ رَبّكَ} القيامة أو العذاب المستأصل. {كذلك} مثل ذلك الفعل من الشرك والتكذيب. {فَعَلَ الذين مِن قَبْلِهِمْ} فأصابهم ما أصابوا. {وَمَا ظَلَمَهُمُ الله} بتدميرهم. {ولكن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} بكفرهم ومعاصيهم المؤدية إليه. {فَأَصَابَهُمْ سَيّئَاتُ مَا عَمِلُواْ} أي جزاء سيئات أعمالهم على حذف المضاف، أو تسمية الجزاء باسمها. {وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِءُونَ} وأحاط بهم جزاؤه والحيق لا يستعمل إلا في الشر.